فسحة تأمّل
زغدود: منطقة “أقا”.. كنز أثري مهم يعود لأزمنة غابرة

68
/ 100
فاطمة الزهراء زغدود: أستاذة مهتمة بتاريخ المغرب
تمثل منطقة “أقا”، أو المحيط المجاور والتابع لمدينة أقا بإقليم طاطا، كنزا أثريا بالغ الأهمية. فالحفريات والأبحاث الأركيولوجية أثبتت غنى المنطقة بالآثار والنقوش الصخرية بالغة القدم والتي تعود لأزمنة غابرة ما قبل التاريخ.
-آثار العمارة و الطقوس الجنائزية:
تضم منطقة أقا عددا كبيرا من الآثار الجنائزية والدينية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ و ما قبل الإسلام، و تلال الدفن (تيميلوس) كانت تتجمع في مقابر صغيرة أو كبيرة. معظم هذه الآثار موجودة في منتزهات أو في مواقع تهيمن على النهرين المهمين، وادي أقا و وادي الڭورجين.
هذه الأنواع من الدفن معروفة لدى السكان المحليين و يسمونها بأسماء: كركور/كراكر أو رجم/لرجام، و ينسبونها إلى ساكنة أجنبية كاليهود أو الوثنيين. تتميز منطقة أقا بهيمنة الآثار الجنائزية و الدينية من النوع الصحراوي: القبور ذات الهوائيات أو الأذرع، والتل على شكل هلال، والتل على شكل أجنحة الذبابة، والتل على شكل دلتا، والتل على شكل ثقوب المفاتيح وتلال الدفن الدائرية البسيطة… إلخ.

حددت الأبحاث و الحفريات مقبرتين كبيرتين تضمان المئات من المعالم الجنائزية والدينية على التلال المسطحة التي تحد مباشرة وادي طاطا ووادي الڭورجين ، وكلاهما من روافد وادي درعة.
-موقع أدرار نمتڭورين:
موقع صخري يقع على الضفة اليسرى لوادي أقا، بين جبال الأطلس الصغير وجبل باني على بعد حوالي 12 كم شمال أقا، يحتل تلا كبيرا من الحجر الرملي وسط وادي أقا و يطل على المناظر الطبيعية الشاسعة المحيطة به.
يعد الفن الصخري في أدرار حيوانيا بشكل أساسي على الطراز البوفيدي (البقري). الموقع هو موطن لمئات من التماثيل المحفورة، تتكون في الغالب من الأبقار المستأنسة. التمثيلات الأخرى مقسمة بين الحياة البرية (وحيد القرن، الفيلة، الأسد، الظباء و غيرها …) ، مجسمات (الرماة) و أحجيات.
تعتبر الحياة البرية تمظهرا لاستمرار تقاليد الصيد في بيئات البقريات، و تشهد على الانتقال التدريجي من الحياة الرعوية إلى الصيد الضار. معظم النقوش مصنوعة بشكل جيد للغاية، مما يدل على اهتمام فني كبير وإتقان جيد للتقنية التي تم تنفيذها.
يعود تأريخ موقع أدرار نمتڭورين إلى العصر الحجري الحديث الأوسط و النهائي (بين 4500 و 2000 قبل الميلاد)، كما يعتبر أجمل محطة بوفيدية في جنوب المغرب.
-ام لعلڭ:
يقع موقع ام لعلڭ لفنون النقوش الصخرية على محاذاة تلال صخرية ليست عالية جدا، على شكل V، على بعد 12 كم جنوب شرق أقا و 5 كم جنوب قرية ام لعلڭ.
يعتبر موقع ام لعلڭ، بحق، موقعا رئيسيا للفن الصخري بالمغرب و شمال إفريقيا، إذ يحتوي على عدد كبير جدا من تمثيلات الظباء و الجاموس، بالإضافة إلى الأفيال والزرافات و وحيد القرن و الغزال. يحتوي الموقع على أكثر من 450 موضوع منقوش، 85٪ منها تمثل حيوانات برية. تم دمج الأشكال المحفورة في النمط الطبيعي “Tazina” ، المعروف بتقليص بعض الخصائص التشريحية الخاصة بكل نوع من الحيوانات ، وتم تنفيذها بتقنية التلميع العميق.
تنتمي جميع تمثيلات ام لعلڭ المحفورة تقريبا إلى أقدم مرحلة من الفن الصخري في شمال إفريقيا، و التي يرجع تاريخها على الأرجح إلى نهاية العصر الحجري القديم (بين 8000 و 5500 سنة قبل الميلاد). تم رسمهم من قبل آخر ساكنة صيادة/قناصة بالمنطقة.
-واد امشكاو:
يتواجد موقع الفن الصخري في واد امسكاو أو امشكاو ، المعروف سابقًا باسم “سيدي المهداوي”، على بعد 25 كم شرق/شمال شرق اقا و 38 كم جنوب طاطا، وعلى بعد مئات الأمتار من الطريق المعبدة ، وبالقرب من جسر وادي مشكاو.
والموقع يأتي على شكل سلسلة من التلال الصخرية بطول 1.7 كم تطل على الضفة اليسرى لوادي مشكاو. تتركز معظم التمثيلات الصخرية على أعلى نقاط التلال و تنخفض كثافتها عندما ينزل المرء نحو سفح التل.
تشهد النقوش الصخرية على تنوع موضوعي كبير، يمثل بشكل أساسي الحيوانات البرية: الغزلان و الفيلة و الظباء و وحيد القرن و النعام و الجاموس و القطط. ترتبط الأشكال المحفورة بشكل كامل تقريبا بأسلوب عالم الطبيعة “Tazina”، الذي يتميز بالمبالغة من خلال تناقص السمات المدهشة لكل نوع من أنواع الحيوانات.
تم تنفيذ هذه الأعمال الفنية بتقنية التلميع و يتم نقش البقريات باستخدام تقنية النقش الغائر. هناك عدد قليل من التمثيلات الهندسية النادرة، بما في ذلك الأشكال الحلزونية، المنقوشة باستخدام تقنية التنقيط. من المحتمل أن هذه النقوش تعود إلى ما قبل تدجين الحيوانات، أي ما بين 8000 و 5500 سنة قبل الميلاد.