تدوينات مختارة
محمد الشرقاوي: لماذا أختنق في مغربيتي؟

63
/ 100
محمد الشرقاوي: أستاذ جامعي بأمريكا
ترعرعتُ في مرحلة كان تصنيفنا ضمن الدول السائرة في طريق النمو، وبدا وقتها أننا كنّا على مشارف الاقتراب من الدول المتقدمة. وتشبعتُ أيام الدراسة في الجامعة بحوار شمال جنوب، وازدهار دراسات عالم الجنوب.
مرت السنوات تباعًا، وأنا أمنّي النفس بمغرب تتحقق فيه التنمية المتساوية وتكافؤ الفرص، والإشعاع الفكري والحضاري، على غرار دول كانت في مثل أوضاعنا قبل ثلاثين عاما. غير أنها خطّت خطا مستقيما نحو الرفاهية والديمقراطية.
زرت عددا ليس بالقليل من الدول في أربع قارات. وتبين أن قطارات الدول الأخرى وصلت، ولم يصل قطارنا بعد، وإن نحن في قلب العالم جغرافيا واستراتيجيا وحضاريا. هم يحصدون مؤشرات تقدم مرتفعة، ونحن نحصد تعثرات متتالية، ويسعى الخطاب الرسمي للتحايل بتبريرات واهية ووعود مؤجلة من أحدثها النموذج التنموي الذي يحمل في ثناياه نواة فشله.
وتزداد العتمة في أعيننا وضغط الدم في شرايينا ونحن الآن ضمن الدول السائرة نحو مزيد من التخلف لعدة أسباب:
1. نظام تعليم منفصم الشخصية بين مدارس دولة بئيسة الحال ومدارس الخواص لأولاد فئة “ميزي.. تقرا.”
2. نظام صحة منقسم حسب مقياس “على قدر فلوسك، يتحدد علاجك”.
3. نظام اقتصادي يمنح سلطة الاحتكار إلى مجموعة من العائلات التي تستفيد من حماية المخزن لمصالحها، فتخصص المغرب في منظومة ليبرالية خاصة: عقد القران بين المال والسلطة.
4. جامعات تراجع فيها البحث العلمي إلى منحدرات سفلى، وأصبحت الثقافة شبه منبوذة في الإعلام والخطاب العام.
5. صحفيون قالوا رأيهم في ممارسات الفساد، فأصبحوا في عتمة الزنزانات مدانين بأنهم “الفاسدون” في مغرب إفساد العدالة والتستر على الفساد الأعظم.
6. فنون لم تعد جميلة ولا تعكس ذوقا راقيا بفضل البدع المتكاثرة بين الطوطووية والباطمية والطراكسية في هزّ البوط، وأيضا العيوشية في الكشف عما أسفل البوط وغيرها من العربدات في تطور الفنون القبيحة.
7. إعلام تحوّل إلى إعلان إشهاري ينفخ في الرداءة، ويلاحق قصص البؤس الفني، كمن يعيد ذبح المنخنقة والموءودة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع في دور المسالخ المتعفنة، ويحاول توزيعها بين نقاط بيع اللحوم الطازجة.
وصلتُ إلى مكابدة حقيقةٍ مؤلمةٍ: نأكل ونشرب الوعود الكاذبة والتبريرات الغبية، ونصاب بانقباض سياسي واقتصادي وثقافي مستمر. ونخرج الرياح الفاسدة بلا توقّف.
يأخذني التأمل بعيدا إلى لحظة اختزلت عبثية هذه المرحلة بشكل استباقي عندما كنا نغني:
ومال قنديل ف الدوام طافي
ومال اصباحنا شمسو اعوافي
ومال ﯕلتتنا جافة ما بغات تروى
داويني كان ريت للعذاب اسباب
كل مانقول اعييت عاد ابديت اعذاب
و حطوني وسط لحصيدة انشالي يا بابا
يعلم الله بالمصيدة لقلوب الكذابة..!