تدوينات مختارة

سعيد بلفقير: الرقم الأخضر.. شرطة المحتوى في خدمتكم

62 / 100
سعيد بلفقير: إعلامي مغربي بالخارج

أعتقد أن الأوان آن لتضاف إلى أسلاك الشرطة شعبة جديدة, يطلق عليها “شرطة المحتوى”. شرطة يتم اختيارها بعناية من بين الآباء والأمهات، الإخوة والأخوات، رجال ونساء التعليم، فقهاء الدين والحياة، علماء وأدباء وفنانون حقيقيون… الأهم أن تتكون من مجموعة تضم الإنسان.

شرطة مهمتها الأولى حماية الشعب من الرداءة والتفاهة والقبح والإسفاف، ترابط عناصرها المدربة في معسكر “تمغربيت” الحقة، في كل حي وفي كل درب من مدن الإفتراض الفسيحة، بدوريات تصل الليل بالنهار، تمشط الفضاء الملغم، تداهم أوكار الدعارة الفكرية، تفكك خلايا البؤس، تغلق المواقع وتوقف نزف الصفحات والحسابات، وتعلنها مسارح للجريمة.

دوريات تجوب الأرجاء، تلقي القبض على متسولي “لايك”، من دعاة العري والسب والقذف والتشهير, تقدمهم لقاضي المحتوى يحكم فيهم بما يلائم الأذى العظيم الذي يلحقونه بالمجتمع والدولة.

ستحمينا هذه الشرطة من شواذ الفكر والعقيدة والقيم, وستجعل الأجيال في مأمن من رياح العهر العاتية, وبذلك سنحمي بعض المهن من الزوال، فما حاجة المجتمع إلينا كصحافيين إذا اختفت الكتابة والقراءة وحسن الإلقاء والإصغاء، وساد النشاز وزاحمنا خريجو المراقص والسجون، وما حاجة المجتمع للأطباء إذا ما صار الدجالون ملاذا لكل ذي داء، وما حاجة المجتمع لمسرح أو سينما أو تلفزيون تصنع نجومه في غرف الدردشة المغلقة، ويلعب فيها دور البطولة كل مهرج وعابر فن، وتحتفي الشاشات العمومية في سهراتها بكل مجرم ذوق ومفلس أخلاق، بينما يقتعد المبدعون كراسي الخزي والهوان، وكل ذنبهم أنهم اختاروا الفن مهنة وحياة ومماتا.

ما حاجة المجتمع للأدباء والشعراء عندما تعطى الكلمة لكل من هب وسب… ما حاجة المجتمع لعلماء الاقتصاد عندما تسود تجارة العورات, في بورصة الطارئين على المشهد.

لكن قبل أن تبدأ “شرطة المحتوى” عملها، عليها أولا أن تبدأ حملة تفتيش واسعة النطاق، تهم كل مؤسسة وكل موقع وكل صحيفة، فالمارقون ومنتحلو الصفات صاروا “بارونات” في هذه الصناعة المربحة, وصاروا بفضل دعم وصمت “الدولة” أباطرة علا شأنهم ولا تسقط لهم كلمة.

لمن يتحججون بحرية التعبير، ومن يرون هذا الإجراء الحلم، ضربا من ضروب الحجر على حريات الغير، أرجوكم اعتبروا كلامي حرية تعبير ولا تحجروا على حريتي في الحلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى