زوجة الريسوني : سليمان رجل بحجم طيبته تعذب

الأحاد أيام تقفل فيها كل المرافق الحيوية في الحي الذي أقطن به، حي تَطبع تجاره وساكنته على إيقاع إيطاليا المتدينة، بحيث أن من كانوا يعيشون فيه أجانب يخصصون اليوم للصلاة بكنيسة الحي، ويتركون لنا نحن المدينيون فرصة للتأمل في الآلام الموضعية التي تُخلفها مصارعة باقي أيام الأسبوع لما تبقى منك.
سليمان كان يعمل يوم الأحد، يذهب بدراجته الهوائية إلى مكتب جريدة أخبار اليوم، ويخصص السبت للأصدقاء، يستضيفهم جميعا في البيت وفي أغلب الأحيان في الدقيقة الأخيرة، تم يبتسم في وجهي وأنا مدهوشة من اتخاذه قرارا كهذا دون معرفة أجندتي والتزاماتي، كنت أُنهي النقاش معه في الموضوع بمحبة كبيرة، وينتهي بنا الأمر في المطبخ نساعد بعضنا لاستقبال الضيوف.
أذكر أن في يوم من أيام الله، أيقظني سليمان في وقت متأخر من الليل، يطلب مني إعداد السندوتشات لعمال وصحافيي أخبار اليوم المعتصمين داخل مقر الجريدة، كنت كالذي نزل على رأسه حجرا ثقيلا، أحملق فيه مثقلة بالتعب وبابني في بطني، ولا أخفيكم لقد امتزج ذلك الحوار معه مع أحد الكوابيس التي كانت تلقي بقبضتها على نومي.. لكنني كنت أسمعه يقول : خلود فيقي فيقي الدراري دايرين اعتصام وغادي يبقاو بالجوع..
كان سليمان شغوفا بالإنسان، وحقوقه، لا يهادن في الأمر حتى مع خصومه، أذكر أننا قبل حفل زفافنا بأيام قضت المحكمة بإقفال كل حساباته البنكية لأن صحفيا معروفا رفع دعوى قضائية ضده، كان سليمان منسق لجنة التضامن معه في يوم من الأيام، ولحسن حظي أنه كان لديه بعض المال في البيت لكي يقتني لي باقة ورد يوم الزفاف، وغنى لي أغنية للست وردة، لنعيش بعد يوم واحد من ذلك قرف المحاكم.
سليمان، كان إنسانا، قد يأتي وقت الغداء ومعه ضيف دون إخبار ولا موعد، يدخل البيت معه مبتسما ابتسامة طفل، ويسألني ماذا حضرتِ اليوم للغذاء؟ أنفجر ضحكا، وأجيبه: صحنك اليوم لضيفك آ زاوية مولاي عبد السلام بن مشيش، فيشاركنا الضيف قهقهاتنا ووجبتنا وقد يعود أو لا يعود، وقد يسأل أو لا يفعل، لكن الثابت في القصة سليمان..
تغيرت أشياء كثيرة بعد اعتقال سليمان، لكنه ترك لي إرثًا كبيرا، وتضحيات أكبر.
سليمان رجل بحجم طيبته تعذب.
الصورة: لمواطنة مغربية دقائق قبل حضورها لندوة عن الاعتقال السياسي.