هموش: لماذا يستضيف المغرب مصانع شركة عالمية للسيارات؟

يوسف هموش: باحث
ترعبني عبارة “جذب الاستثمارات الخارجية” . لماذا يستضيف المغرب مصانع رونو-نيسان وبنغلاديش مصانع نايك؟
للرساميل الدولية امكانية للاستثمار في بلدان مختلفة. يعتمد قرار “الاستثمار أين ؟” على معطيات ودراسات شتى. من بينها مثلا الموقع الجيوغرافي وتوفر المواد الأولية، وهذان معطيان موضوعيان لا تصنعهما الدولة الراغبة في جذب الرساميل الأجنبية.
وهنالك مجهودات تقدمها الدولة وعروض صفقات تقترحها لإقناع الرساميل بالهجرة صوبها. في هذا الشق هنالك إصلاحات إدارية غايتها تبسيط الاجراءات القانونية، وهذه مسألة لا ترعبني كثيرا بالرغم من ما يمكن استشفافه منها من تجاوز للحذر، وتغييب للرأي العام في اتخاذ القرار وحصره في أقلية بيروقراطية مقلَّصة تقرر استضافة الرأسمال من عدمه.. وهنالك شق آخر، اجتماعي أساسا، يجب أن ينتبه له كل من له ذرة من الاهتمام بمصير الشعب.
نعلم أن المغرب لا يتوفر على امتيازات موضوعية خارقة للعادة، فبناه التحتية متواضعة إلى متوسطة، والقضاء فيه فاسد في معظمه، والرشاوي والزبونية شرطان لا مندوحة للمستثمرين عنهما، فكيف أمكن للدولة، دولتهم، جلب تلك الاستثمارات القليلة التي حطت برحالها في أراضينا ؟
الورقة الرابحة للدولة في هذه المسألة هي تقديم كل التنازلات.
قبل أن تستثمر شركة ما في دولة اجتماعية ديمقراطية فإن عليها أن تضرب 1700 حساب للمواطنين :
– يجب احترام الحد الأدنى للأجور المرتفع، التعويضات عن الساعات الإضافية، المساهمات الاجتماعية (صحة، تقاعد، العطل..)
– تمويل خدمات اجتماعية للعمال وللمناطق التي تحتضنها ( النقل، الأكل، العطل، الجمعيات، حضانة وعطل للأطفال..)، التعويض عن المخاطر وحوادث الشغل..
– دفع كل الضرائب أو المغامرة القانونية بالتهرب الضريبي ذي العواقب الوخيمة.
– احترام الحق في النقابة والاحتجاج، الذي يؤدي لا محال إلى ارتفاع كتلة الأجور والنفقات الاجتماعية الأخرى.
– انفاق مبالغ مالية مهمة للحد من التأثير البيئي لنشاطها الاقتصادية : تصفية المياه المستعملة، تنقية الهواء، التشجير الذي يشفع لصاحبه التلويث..
الدولة المخزنية لا تحتاج سوى التنازل عن هذا، وقد تنازلت عنه، لتجعل من الأراضي المغربية المسلوبة من أصحابها والمفوتة بثمن بخس قبلة لبعض الرساميل الكبيرة والرخيصة، والتي لا تبحث سوى عن الإنسان الرخيص والبيئة المستباحة..
ربما في عالم آخر، متواز، متوازن، وأكثر عدلا، يعد غياب الاستثمارات الأجنبية مؤشرا من مؤشرات الرفاه الاجتماعي للشعوب.