المغرب اليومملفات

تغيّر “الوجوه” بعد الاستوزار.. هل يفقد السياسي شخصيته؟!

عبدالرحيم نفتاح

“تستاهلو أحسن” هي عبارة أضحى يرددها المغاربة بسخرية وتذمر، كلما اتخذت حكومة عزيز أخنوش قرارا يؤثر بشكل سلبي على طبيعة الحياة اليومية للمغاربة، أو لنقل إن القرار لا يعكس انتظاراتهم.

في  حملته الانتخابية صيف 2021 كان رئيس حزب الأحرار يردد عبارة المغاربة يستهالو احسن، وقال في إحدى تجمعاته الانتخابية “المغاربة يستاهلو حكومة قادرة أن تكون في المستوى لي بغا صاحب الجلالة“، لهذا صارت العبارة تتردد كثيرا بين المغاربة، وكأنهم يلومون كل من صوت للحزب لينال المركز الأول في نتائج الانتخابات، وإن كانت هذه الأخيرة مشكوك في نزاهتها..

شريك أخنوش في هذه الحكومة، عبداللطيف وهبي زعيم حزب الجرار، ووزير العدل الحالي، لم يفعل مثل رئيس الحكومة، بل كانت له طرقا أخرى في التعبير عن تغير الوجه بتغير المواقف، فرجل القانون هذا كان سابقا قبل تلذذ حلاوة الاستوزار، يدعم المواقف المناهضة للفساد، بل ينتقد صارخا من داخل وخارج قبة البرلمان، كل ما يتربط بسرقة المال العام، لكنه اليوم ومن أبرز القرارات التي أعلن عنها، قرار منع رفع شكايات ضد السياسيين الفاسدين..

وقبل هذا وذاك، دخل للتاريخ السياسي المغربي، رجل سياسة أصبح نموذجا في التغير الحربائي في المواقف، وأعطى مثالا للخضوع وفقدان الشخصية والمبادئ، هو سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق الذي اتخذ قرارات غير شعبية كثيرة لا تعبر عن ما كان يعبر عنه رفقة إخوانه خلال زمن المعارضة، وكان أشدها “صدمة” إن صح التعبير توقيعه على اتفاق التطبيع مع “الكيان الصهيوني”..

غير أن عبدالإله بنكيران أفرش الطريق إلى اعتلاء كرسي الحكومة التي سبقت حكومة العثماني، بتنازلات عديدة، ظهر فيما بعد خلال خرجاته “الشعبوية” بأنها تخدم مصالح الدولة، ولا تضع في أولوياتها مصالح الشعب المغربي..

هي وجوه قلة ذكرناها من بين نماذج كثيرة تتغيّر فيها “الوجوه” بعد الاستوزار.. وتطرح سؤال: هل يفقد السياسي شخصيته أمام قرارات الدولة؟! أم هو نفاق سياسي يمارسه هؤلاء في طريقهم إلى اعتلاء كرسي الوزارة، ليحظى بمكانة اجتماعية رفيعة، غير آبه بالمبادئ والأخلاق ومصالح الشعب..

ازدواجية الخطاب

تغيّر "الوجوه" بعد الاستوزار.. هل يفقد السياسي شخصيته؟! - أخبار المغرب
محمد مصباح رئيس المركز المغربي لتحليل السياسات

قال الدكتور محمد مصباح رئيس المركز المغربي لتحليل السياسات، إن ازدواجية الخطاب، أو تغير الخطاب بعد تولي مناصب حكومية، هو مسألة ليست جديدة، فخلال مرحلة الانتخابات، يتم توزيع الوعود، وممارسة نوع من الخطاب الطوباوي، غير أنه في تدبير الحكومي، فالخطاب مرتبط بالإكراهات، وبالسياقات.

وأكد في تصريح للمنصة أن هذه الازدواجية لها تأثير سلبي، إذ تؤثر على الثقة في الحكومة والمؤسسات المنتخبة، “لأن السياسي لا يفي بوعوده، فيصاب المواطن بإحباط نتيجة لذلك، وهو إحباط يؤدي إلى تراجع الثقة، وهذا من سلبيات هذه الازدواجية في الخطاب”.

لكن من حيث المبدأ- يضيف مصباح- فهي ظاهرة غير مفاجئة في المجال السياسي، مردفا أن هناك عدة معطيات تجعل رجل السياسة يغير مواقفه، من ضمنها غياب الخبرة، وإكراهات العمل السياسي، بالإضافة إلى الضغوطات.

وتطرق الأكاديمي إلى “الاستقامة السياسية” المرتبطة بنزاهة هذا الفاعل السياسي، متسائلا هل سيحافظ على مواقفه، أم سيغيرها؟ معتقدا أن هذا العنصر بدأ يفتقد أكثر فأكثر في الحياة السياسية بالمغرب، “فمن يعبر عن مواقف ثم يتراجع عنها بعد ذلك، يتم وضع علامة استفهام حول نزاهته في ممارسة السياسة”.

رجل دولة ليس هو رجل السياسة

يعتبر غسان المراني أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس وباحث متخصص في الانتخابات، أن هذه الظاهرة أصبحت من خصائص المشهد السياسي المغربي، خاصة بعد سنة 2011 التي عرفت تغيرات سياسية، كتغيير الدستور، وصعود حكومة جديدة، “فكان حينها خطاب لأحزاب المعارضة قبل فوزها بالانتخابات، يرتبط بالمبادئ العامة والإصلاح ومحاربة الفساد.. وهي مسألة طبيعية لاسترضاء الناس، والتميز، وتسويق نموذج حزب يمثل الشعب”.

ويوضح المراني أنه بمجرد حزب العدالة والتنمية فاز بالانتخابات وشكل الحكومة سيسطدم بإكراهات، فرجل الدولة، ليس هو رجل السياسة الذي يمارس المعارضة من خلال البرلمان أو من خلال الحملات الانتخابية، إذ يجد نفسه (من داخل الحكومة) أمام قضايا شائكة، وملفات، وأمام قطاعات حكومية يجب أن يدبرها..

وأشار إلى أن “الخطاب العام الشعبوي والشعارات العامة لا يمكن أن تصلح في التسيير، وبالتالي فالإشكال الحقيقي يكمن في غياب البرنامج لدى الأحزاب عندما تصل إلى الحكومة”.

تغيّر "الوجوه" بعد الاستوزار.. هل يفقد السياسي شخصيته؟! - أخبار المغرب
غسان المراني أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس

ثم استطرد “فهذه الأحزاب تقدم خلال الحملات الانتخابية برنامجا عاما مستعينة بشركات أو مراكز دراسات متخصصة تمنحها أرقاما معينة غير دقيقة، فنلاحظ أن أغلب برامج الأحزاب متشابهة، وهذا يفسر غياب دراسات وبرنامج، وتصورات حقيقية لدى هذه الأحزاب التي تصل إلى الحكومة، وهو ما يوضح التناقض بين الخطاب القبلي، والخطاب بعد الوصول إلى الحكومة”.

النفاق السياسي

من ناحية أخرى -يتابع المراني- هذه الأحزاب التي تصل إلى الحكومة تجد نفسها أمام مسؤوليات كبيرة، وأمام سياسة داخلية وأخرى خارجية، وأمام ملفات تركتها حكومات سابقة، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في سياسة معينة للدولة.

وقال إنه “عندما نتحدث مثلا عن التطبيع الذي كان يرفضه حزب العدالة والتنمية بموقف مبدئي وبحكم المرجعية الإسلامية، فعندما وصل للحكومة، فوجد نفسه أمام مسؤولية دولة، لها ارتباطات ومسؤوليات خارجية، ومصالح وتوازنات، وبالتالي لم يكن من المنطق أن يتصرف هذا الحزب بحسب مبادئه ويعارض التطبيع، فوجد نفسه أمام أمر الواقع وتصرف بمنطق عدم التصادم مع مصالح الدولة”.

لهذا فالإشكال الرئيسي الذي نعيشه أمام الشعارات والمبادئ (المبادئ غير ثابتة في السياسة، لأن هذه الأخيرة قائمة على المصالح) هو عدم الجدية في طرح البرامج، عدم الاكتراث بجدية بالشعب المغربي، فعندما أطرح شعارا يجب أن أكون واقعيا من خلال التصور والبرنامج الذي أضعه، يضيف المتحدث ذاته.

ولفت الانتباه إلى أنه في المقابل “نجد في الغرب سياسيين يوفُون بوعودهم التي طرحوها في الانتخابات، بينما هنا لا يتم احترام الكتلة الناخبة، رغم أن التفاوت بين هنا وهناك ليس كبيرا”.

وأمام هذا الوضع -يوضح الأستاذ الجامعي- يصبح السياسي في نظر المواطن المغربي شخص كاذب ومنافق، وهو ما يزيد من نفور الناس من السياسة والسياسيين، بل وأصبحنا نسمع بعض الأصوات تنادي بإعطاء الحكومة لخبراء وكفاءات مستقلة غير متحزبة (تيقنوقراط)، وهي مسألة خطيرة جدا، وذلك نتيجة تضارب الخطاب الحزبي قبل تولي منصب حكومي، وهو ما يضرب مصداقية العمل الحزبي.

وتحدث على أن السياسة هي فن الممكن، وميكيافيلي قال “إن جميع الوسائل متاحة من أجل الوصول إلى السلطة، أي أن الكذب، والنفاق والتحايل، كل ذلك مباح، لهذا فنحن أمام مفهوم غير أخلاقي للسياسة، وبرغماتي، في حين أن هناك نماذج ايجابية في الأخلاق لممارسة السياسية، وأضرب المثال بأنجيلا ميركل التي حكمت ألمانية لعشرين سنة، وذلك بفضل وضوحها في البرنامج الحزبي”.

ثم “يستدرك لكن لا يمكن أن نسلخ النفاق عن السياسة، غير أنه عندما يتحول إلى قاعدة، فهنا نتحدث عن أزمة في السياسة والديموقراطية التمثيلية، وهو ما نجده في المغرب، فالانتخابات الأخيرة مثلا تم التصريح عن نسبة مشاركة بلغت 50% ، غير أننا في الواقع نجد نفورا  من السياسة والأحزاب، بسبب الصورة التي أصبحت راسخة لدى المواطن المغربي وهي أن السياسي الحزبي هو إنسان انتهازي ومنافق”.

غياب طبقة سياسية ناضجة

جوابا على سؤال شخصية السياسي المتحزب وضعفها أمام خطاب الدولة، يرد المراني أن “تعاطي رجل السياسة بعد دستور 2011 الذي منحه العديد من الصلاحيات كان دون مستوى النص الدستوري، وينمحي أمام الدولة، وكأنه يقول للدولة أن أريد أن أبقى أطول مدة ممكنة، وأنا هنا لتنفيذ العليمات”.

وتابع “أتذكر مجموعة من التصريحات لعبد الإله بنكيران عندما كان رئيسا للحكومة، كان يردد فيها ” أنا هنا لتنفيذ تعليمات صاحب الجلالة” وبالتالي فهو لا يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة التي منحها له الدستور، حتى في العديد من القرارات التي هي من صلاحيات الحكومة، كان يستشير فيها الديوان الملكي، رغم ان الدستور فصل الصلاحيات بين المؤسستين”.

إذن نحن أمام إشكاليات غياب طبقة سياسية ناضجة في المستوى المطلوب، وإذا عدنا إلى سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، نجد أن هناك طبقات سياسية كان لها وعي كبير، وكانت تمارس ضغطا كبيرا على الحكومة من صف المعارضة، أو على الدولة من صف الحكومة، بحسب المصدر ذاته.

وأضاف “لاحظ معي أنه قبل دستور 2011 (في التسعينيات) وفي عز ما كان يصطلح عليه بالقمع، قدمت المعارضة ملتمسي رقابة، بينما بعد دستور 2011 الذي أضاف العديد من الصلاحيات لم تمارس المعارضة ولو ملتمسا واحدا للرقابة للضغط على الحكومة للتراجع مثلا عن قرار معين، وكأن البرلماني أصبح يساير الدولة في توجهاتها، وهذا شيئ خطير، لأنه لا يمكن الحديث عن دولة قوية إلا بوجود أحزاب قوية وطبقة سياسية قوية، فما دور كل هؤلاء إذا كانت الدولة تفعل كل شيء؟”.

الشعبوية وغياب الفعل السياسي

أما الدكتور يوسف منصف الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الحسن الثاني، فأبرز أن الفاعل السياسي من موقع المعارضة يظهر مواقف تتسم بالطهرانية والمثالية، لكن عندما يصبح فاعلا من داخل المؤسسات الحكومية فمصداقيته تتآكل، فعلم الاجتماعي السياسي يقول إن السياسة تأكل من ممارسها، أي أنها من مبادئه ووقته وطهرانتيه..

وأوضح في تصريح للمنصة أن ازدواجية الخطاب تعتبر ظاهرة عالمية، غير أنه في المغرب هناك استثناء، فالفاعل السياسي يكون مضطرا لتقديم تنازلات، وهي تنازلات متتالية.

تغيّر "الوجوه" بعد الاستوزار.. هل يفقد السياسي شخصيته؟! - أخبار المغرب
الدكتور يوسف منصف الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الحسن الثاني

وأضاف أن الخطاب السياسي ينقلب عند الفاعل السياسي 180 درجة (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار)، لأنه في المغرب ليس لدينا ممارسة سياسية مبنية على مشروع مجتمعي، ما يحدث في المغرب هو تنشيط سياسي، وليس لدينا فعل سياسي.

وأردف “هنا أعود لكلام بنكيران الذي قال “لا أريد أن أكون رئيس حكومة يصطدم بالسلطات العليا..” رغم الصلاحيات التي منحها له الدستور”، من جهة ثانية -يضيف المتحدث- يتسم المشهد السياسي بالمغرب بـ”انتشار الشعبوية، لدرجة يمكن أن نسمي زعماء الأحزاب بـ”القادة الشعبويين”، إذ ليس لدينا قادة بالمعنى الحقيقي للسياسة”.

وأكد أن “رجل السياسة في المغرب لا شخصية ولا مشروع له ولا هامش للحركة لديه، بينما يتم منحه هامشا لتنفيذ وتصريف السياسات التي يتم ترتيبها في مكان بعيد عن المؤسسات الدستورية”، وأضاف بأن رجل السياسة “هو نتاج بيئة سياسية بعيدة عن البيئة الديموقراطية، كما في الولايات المتحدة أو فرنسا مثلا، هؤلاء لديهم ممارسة سياسية تنافسية تخدم الصالح العام، بينما في المغرب التنافس السياسي مبني على الصراع منذ الاستقلال”.

وأبرز أن هذا الصراع السياسي تغلب عليه الإديولوجية، أو في علاقات الأحزاب بالمؤسسات الأخرى (المؤسسة الملكية، المؤسسة الأمنية..) وهو صراع حول التموقع في مراكز القوة.

وقال منصف إن الأحزاب بالمغرب أصبحت تركز على التوافقات، فالتجربة علمتنا أن الديموقراطية الداخلية إذا اعتمدت على منطق التصويت والأغلبية تنتهي بالانشقاقات، وصناديق الاختراع هي تعليب لقرارات تمت في مكان آخر (الكولسة).

ثم انتهى إلى أن السياسي بالمغرب “يتميز بالتطرف في الوعود الانتخابية، وعدم وجود محاسبة لحصيلة تجربة حزبية أو حكومية، إذ تنقصنا المحاسبة في النجاعة التدبيرية، والعشرات من التقارير التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات هي حبيسة الرفوف، بدل اتخاذ المسطرة اللازمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى