اليازغي: نفاق الغرب.. أو عندما تتغير المبادئ كما تتغير الجوارب

الدكتور منصف اليازغي
نفاق الغرب.. أو عندما تتغير المبادئ كما تتغير الجوارب
ألم تكن تدرك الدول المعارضة أن المونديال سيجري بقطر وهي تخوض التصفيات… !!!
عندما احتضنت روسيا كأس العالم سنة 2018، لم يتحرك المجتمع الدولي، الغربي على الخصوص، للحديث عن الديموقراطية في هذا البلد، ولم ينصب نفسه مدافعا عن المعارضين السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يتعرضون لمضايقات شتى من نظام بوتين، بل وضعوا شريطا لاصقا على أفواههم مركزين على جدول المباريات وتكهناتهم بخصوص الفائز بكاس العالم.. !
وقبلها بأربع سنوات، بالبرازيل سنة 2014، ورغم المظاهرات التي عمّت شوارع العاصمة برازيليا احتجاجا على الإنفاق الكبير على دورة عالمية أبعد ما تكون عن هموم الطبقة الفقيرة، التي كما تعشق المستديرة تحلم بحياة كريمة بأبسط الشروط، رغم ذلك، تعامل الغرب بنفاق كبير ولم يتجاوز حديثه عن البرازيل كونها بلد السحر الكروي، وحضر بعض زعمائه الدورة في الافتتاح والاختتام…وتوارت كل صور الاحتجاج إلى الخلف فاسحة المجال أمام إبداعات كروية ينتظرها الجميع كل أربع سنوات.
الآن، ورغم بلاغ الفيفا الذي طالب الدول بالتركيز على كرة القدم في الوقت الحالي، والنأي عن الانتقادات المبالغ فيها اتجاه قطر على بعد أيام من انطلاق أول مونديال ببلد عربي، عادت 10 اتحادات كروية لتتحدث برياء كبير عن نقاط تهم تنظيم المونديال بقطر، كما لو أن الزمن توقف عندما يحتضن بلد عربي كأس العالم، بل إن الدانمارك أطلقت حملة لجمع التوقيعات على عريضة لمنع منتخبها من حضور المونديال، علما، وهذا هو الواقع، يصعب تصور غياب تلقائي وذاتي من أي منتخب عن المونديال، فهو الموعد الذي يسعى إليه الجميع طيلة سنوات.
والمثير أن مضمون انتقادات الدول لقطر كان معروفا مسبقا ومنذ سنوات، وكان بإمكان الدول المنتقدة لسجل قطر في حقوق الإنسان أن تنسحب منذ بداية التصفيات المؤهلة للمونديال، ففي اعتقادي كانت تدرك أن المونديال سيجري بقطر وليس بنيوزيلاندا… !!
عندما تقوم قطر بعملية تبريد الملاعب في سابقة من نوعها من أجل ضمان مرور المباريات في أجواء ملائمة للاعبين والجمهور، فإن قطر تضر بالبيئة، لكن تناسوا عملية التسخين التي يقومون بها في ملاعبهم بأوربا في فصل الشتاء البارد، وعندما يتوفى، للأسف، عامل في أوراش البناء في الدوحة، فحكومة قطر هي المسؤولة، وعندما يقع نفس الحادث في دولة أوربية أو أمريكية تحتضن منافسة دولية، فالشركة المكلفة بالبناء هي المسؤولة…! هل هناك نفاق ورياء أكبر من ذلك..!!!
كانت دول الغرب تقول للعرب وهم يقاطعون مباريات إسرائيل إنه لا يتوجب خلط السياسة بالرياضة، وأن المنافسات الرياضية من المفترض أن تظل مترفعة عن الخلافات السياسية ومكانا للتعايش والمحبة ( !!!). نفس الدول الآن خلطت وبعثرت وشوهت هذا المبدأ وهي تقحم السياسة في تصفيات كاس العالم من أجل إقصاء غير مشروع لروسيا، بل إنها بدأت في التحريض ضد إيران من أجل إقصائها بحكم أنها تدعم روسيا في حربها، وبطبيعة الحال لهم الحق في دعم أوكرانيا بدون أن يتعرض لهم أحد.. !!
لا يعني هذا اتفاقنا أو اختلافنا مع روسيا في غزوها لأوكرانيا، فهناك مبررات متباينة ومتعارضة، لكن الأساسي هو أن هذا الغرب يتعامل مع المبادئ والقواعد كالجوارب يغيرها متى يشاء.. ويحتفظ بها متى يشاء إذا كانت متلائمة مع مصالحه.