تدوينات مختارةمنصّات

الشرقاوي يحاجج الوزير أمزازي حول دورية المنع بسؤال “أين الطريق إلى النبوغ المغربي؟”

تدوينات

الأختام “الأمزازية” لتحصين المنشئات الجامعية من الأفكار غير المخزنية ! 

بقلم د محمد الشرقاوي *

ثمة سؤال رئيسي في هذا الزمن غير الجميل: هل لدى المغاربة حاليا جامعة فكر متنوّر وإدارة الاختلاف بين أطروحات ومشارب فكرية متعددة تتعزز بها حداثة المغرب منذ تأسيس جامعة محمد الخامس عام1957، أم أنّ الجامعة تحوّلت إلى قلعة محصنة الجدران الأمنية ونقاط التفتيش الفكرية على طريق التقوقع على الذات ومحاربة التعددية والاختلاف الفكري والسياسي في حقبة ضياع البوصلة؟

هكذا أبدأ هذه التدوينة الجديدة ضمن سلسلة “أين الطريق إلى النبوغ المغربي؟” وقد تراءت لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي هذا الأسبوع أن يعتمد لغة “التعليمات الفوقية” ويأمر مدراء الجامعات ب “عدم الترخيص لأي جهة خارجية باستعمال مرافق الجامعة أو المؤسسات التابعة من أجل تنظيم تظاهرات كيفما كان نوعها”.

يبدو أن حصافة الوزير “الحاسم” قد أوصلته إلى حكم المطلق العدمي كما تغطس النّعامة رأسها في الرمل، وتغليب الإستثناء على القاعدة من خلال التلويح بتبريرات ضعيفة الحبكة من قبيل القلق على “سلامة العاملين بهذه المؤسسات من أساتذة وأطر إدارية وطلبة”، وكأن الجامعات المغربية أصبحت ساحة الوغى قد تنسل فيها السيوف من أغمدتها أو تُخرج فوهات المدفعيات كراتها النارية. 

الأغرب من ذلك أن يتشدق بعض مستشاري “الألمعية” في ديوان الوزير على المغاربة بعبارة تنم عن لباقة سياسية مستهلكة قائلين “الحرية الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي هي أساس الإبداع الفكري الخلاق الذي تميزت به الجامعة المغربية منذ تأسيسها وإلى حدود اليوم.” هذا حقّ أريد به باطل، ومن يؤمن حقيقة بـ”الإبداع الفكري الخلاق” لا يدفع باتجاه تجويف الجامعة من روح الاختلاف وأطروحات التباين الفكري والسياسي في مغرب استقى حضارته وسمعته في العالم من خطاب الاعتدال والوسطية وعدم الإقصاء. وقد يئن بعض رجالات هذه الجامعة مثل محمد الفاسي ومحمد عابد الجابري ومحمد جسوس وفاطمة المرنيسي وغيرهم في قبورهم الآن من وقع ما توصل إليه “بعد نظر” هذا الوزير “رائد الإصلاح الجامعي”! 

ينسى السيد أمزازي أو يتناسى أنّ أغلبية الطلبة والأساتذة والمتحمسين للبحث العلمي الجاد يظلون تواقين للتفاعل مع مدارس فكرية ورؤى مختلفة من داخل وخارج المؤسسة الجامعية. فهي حلبة التباري التاريخية لإنتاج أفكار بناءة، وإلغاء فرضيات، وبلورة رؤى بديلة. لم تتساهل الجامعات في أوروبا وأمريكا في حماية التعددية الفكرية وضمان حق الآخر في الرأي الآخر، وهي اليوم من ينمي قدرات النخبة على النقد ومساءلة مراكز السلطة. وإذا غاب هذا التفاعل بين الفكر ونقيضه حسب المنطق الهيجيلي، لا يكون للجامعة إشعاع فعلي لأنها تتحول إلى مصنع يعمل بمبدأ الإنتاج الكمي المتشابه mass production وليس النوعي لجيل يأمل أن يساعده التنوع والتضاد الفكري والإيديولوجي في تقديم اجتهادات جديدة. 

أخشى على الجامعات المغربية أن تتحوّل إلى قلاع عالية الأسوار تعيد صدى الفكر الواحد، والرؤية الواحد، ومغرب البعد الواحد. وآسف على حال رؤساء وعمداء وأساتذة تحلّلوا من عمودهم الفقري وأصبحوا من صنف الرخويات الأكاديمية مراعاة لضمان لقمة العيش وبعض المصالح الضيقة. 

لا عجب أن تدخل الجامعة المغربية عصر الرخويات الفكرية على يد وزير رخوي بامتياز!

 

* أستاذ مغربي بجامعة جورج ميسن وباحث ومحلل بمركز الجزيرة للدراسات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى