السوبرانو سميرة قادري: نحتاج لاستراتيجية لإنتاج أغنية طربية راقية(حوار)

أجرت المنصة حوارا حصريا مع السوبرانو سميرة قادري، صاحبة الصوت الأوبرالي، والمطربة المغربية والعربية الأولى التي أدت أغان أوبرالية باللغة العربية.
يأتي هذا الحوار عقب إصدار هذه الفنانة أول أغنية طربية على طريقة الفيديو كليب، منفتحة على جمهور أوسع من أجل تذوق الغناء الطربي الأصيل.
في هذا الحوار الفني تاخذنا سميرة قديري في سفر فني وبحثي حول الغناء الأندلسي والأوبرالي، مع العروج على مسارها المميز إلى أن بلغت مرتبة فنية راقية في هذا المجال.
تتميز قادري مديرة المهرجان الدولي للعود بتطوان، ببحثها الدائم في تاريخ وأسرار الغناء الأصيل، وهو ما ساهم في تطوير هذا الفن رغم الصعوبات التي تلاقيها.
حاورها: عبدالرحيم نفتاح
أصدرت مؤخرا أغنية فيديو كليب “أسميتها قمري” وقد حققت نجاحا لافتا في ظل انتشار الأغنية التجارية، هل كنت تتوقعين هذا النجاح؟
الفيديو كليب حقق نجاحا لافتا، إذ عرف انتشارا ليس على مستوى المغرب فقط، بل عربيا أيضا، حيث تناقلته عدة قنوات، ويرجع الفضل في ذلك لشركة التسويق master gate ولكوننا اشتغلنا – انا والفريق الفني- بإيمان وباستراتيجية رغم الواقع الفني الذي أصبحت تغلب عليه الأغنية التجارية، لكن، هذا لا ينفي عن أغنيتي بأنها تجارية، غير أنها من النوع التجاري الراقي، لأن مفهوم التجاري في الفن تغير على مستوى طرحه الفني، فالأغاني التي ظلت راسخة في أذهاننا ووصلت لوجداننا، لأنها حملت معها مقومات النجاح.
فأغنية “أسميتها قمري” أريدها أن تبقى راسخة في أذهان الناس، لذلك فهذا الخط الفني التجاري الراقي، وبالرغم من بساطة الكلمات لكنها لغة شعرية عربية.
والأغنية تدخل في إطار مشروع متكامل.. وهذا ليس بجديد عن أعمالي السابقة، لكن يمكن القول بأنه أسهلهم، وذلك لسهولة وصوله إلى الناس، بينما الأشكال الموسيقية السابقة فلها طابع عالمي وهي مستعصية شيئا ما على جميع الناس.
ورغم أننا لجأنا لألحان بسيطة غير مركبة، فهي خاضعة لتركيبة أٌكِسترالية مكتوبة.. تجاوزت اللحن إلى التأليف الموسيقي، وهنا أتحدث عن المؤلف الموسيقي مصطفى مطر وهو لبناني معروف بأعمال ناجحة في تأليف الموسيقى التصويرية لكثير من المسلسلات اللبنانية، بالإضافة إلى كاتب الكلمات الذي تعاملت معه محمود موسى حمود، والمخرج أحمد سعيد القادري.
كذلك كان هدفنا من الأغنية هو تقريب اللغة العربية فنيا إلى الشباب عبر الحفظ والترديد ليتم في الأخير حب هذا النوع من الفن الأصيل القليل.
وهذا سيحفزنا دون شك لطرح أعمال أخرى على المنوال ذاته بشكل أقوى وربما أصعب، لكن سيتم تقبله تدريجيا لأننا كمغاربة وعرب نميل لماهو إيقاعي، وهذا رهان فني ليس بالسهل. فقد تعاملنا مع جمهور راق يحب الجمال والفن.
وكنت سعيدة بالتوصل بعدة رسائل إيجابية حول هذا العمل، وهو ما يؤكد تعطش الجمهور لمثل هذه الأعمال الفنية.
وقد حاولنا أن نكون سفراء للمغرب بتاريخ وجماله وحضارته وتراثه، وهذا كان ظاهرا في تفاصيل الفيديو كليب الذي صور بمدينة طنجة العريقة. وأنا حاليا منكبة على عمل آخر سيكون فيه الانتصار مرة أخرى للفن الراقي.
أنت أول فنانة مغربية ومن القلائل عربيا، استطعت لمستوى السوبرانو في الغناء الأوبرالي والأندلسي.. كيف كان مسار سميرة قديري للوصول لهذا المستوى العريق في الفن؟
في الحقيقة لست أول فنانة سوبرانو في المغرب، بل الراحلة صفية التيجاني، ولي الشرف أن أكون تلميذة لهذه السيدة التي غنت الأوبرا والفن الايريكي والبيلكانطو، وهو غناء يحفظ بالسمع، بل هو دراسة معمقة في معاهد عليا.
فهذه السيدة رحمها الله كانت خريجة للمدرسة الإيطالية، وكنت محظوظة جدا كبعض الأصوات القليلة بالمغرب، وميزتي أنني انفردت بالغناء الأوبرالي باللغة العربية، وانفردت أيضا بأسلوبي الخاص، ولم أقف فقط على تجربة السوبرانو.
فالراحلة صفية التيجاني هي التي احتضنتني فنيا وإنسانيا، وآمنت بي، فعندما ولجت المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كنت أفكر في التخصص في ما يسمى بالمسرح الغنائي، على خطى المدرسة الرحبانية، والسيدة فيروز بالنسبة لي هي الهرم، حيث تشبعت كثيرا بغنائها، خاصة الغناء السريالي وهو غير معروف كثيرا، هذا الغناء جاء من الكنائس القديمة، وهو مشبع بقواعد المقامات العربية الشرقية.
وبعد تخرجي من المعهد، اتخذت طريقا آخر، إذ استقررت بمدينة تطوان بعدما تم تعييني وظيفيا مديرة للمركب الثقافي التابع لوزارة الثقافة، ولأن هذا المركب يضم معهدا موسيقيا، قررت الاستمرار في تكويني الموسيقي، على مستويات البيانو والسولفيج والهارمونيا..
وهنا كنت محظوظة مرة أخرى لأنني التقيت الأستاذ مصطفى عائشة الرحماني، وهو مؤلف موسيقي وليس ملحنا (لأن بينهما فرق)، وقد طرحنا عدة أسئلة حول كيفية الاشتغال على القصيدة العربية وصياغتها بقالب من قوالب الموسيقى العالمة، كالأوبرا، أو آريا، أو كانطاطا، وتدارسنا و اشتغلنا على هذا المشروع خلال سنتين (في أواخر التسعينيات).
وتتويجا لذلك صدر لي أول ألبوم بعنوان حلم من تأليف مصطفى عائشة وكان هذا العمل أول أسلوب جديد في الغناء العربي.
السوبرانو في الوطن العربي لم يأخذوا حقهم، لأنهم لم ينالوا نصيبهم إعلاميا، ومن جهة ثانية لم تكن لديهم أعمال ومؤلفات وتجارب خاصة، واكتفوا بإعادة غناء الريبرطوار الكلاسيكي، وهو الذي حفظناه في بداية تعلم هذا النوع الفني.
بالنسبة لي كنت واعية منذ البداية تلقي الدروس، والغناء الايريكي، ودراسة المدارس الإيطالية والإسبانية وأوروبا الشرقية.. لم يكن هدفي صعود المسارح العالمية وأغني.
عموما كانت تجربتي مع مصطفى عائشة غنية ولو انها نخبوية، لأن أسلوبها جديد، بالإضافة إلى غياب نقاد لهذا النوع من الأعمال الفنية النادرة، فدور النقاد هنا مهم جدا لتقليص الهوة بين الصانع والمتلقي. من جهة أخرى اشتغلت مع مجموعة ليدرية على أكثر من 70 عملا أرشيفيا. والحمدلله في مساري نلت جوائز كثيرة لتفردي في هذا النوع الفني العربي.
وأختم لأقول نحن في الوطن العربي(سوريا، لبنان، مصر) قلائل في هذا الفن، وأصواتنا أجمل مما يوجد في أوربا.
تقومين بأبحاث في التراث الأندلسي، وأسست لهذا الغرض فرقة أرابيسك، ولديك اهتمان بتطوير غناء “الفقيرات” حدثينا عن هذه المشاريع البحثية الفنية؟

للتوضيح فقط أنا لست فنانة متخصصة في غناء الطرب الأندلسي، أنا فنانة متخصصة في غنائيات البحر الأبيض المتوسط، التي استمدت روحها من ريبرطوار الموسيقى الأندلسي.
هذه الموسيقى القروسطوية تعود للقرون الوسطى وعصر النهضة، فالسوبرانو أو الغناء الإيريكي هو تخصصات ومدارس متعددة، عكس الموسيقى العربية.
فبالعودة إلى تلك القرون نجد ان الكتابة الموسيقية شبيهة بالكتابة الموسيقية الأندلسية، وقمت ببحث معمق في هذا الإطار، إذ قمت بدراسة مقاربة انطلقت فيها من كون الموسيقى الأندلسية هي الموسيقى الأم في مجموعة من الغنائيات على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
قمت بالاشتغال على علاقة الموسيقى الأندلسية بالغناء الغريغوري، وعلاقتها بالغنائيات القديمة للأندلس، وتسمى بالإسبانية الكنديغة أواخر القرن 12، و انطلاقا من هذه العبارة قمت بعمل تاريخي شيق يقارب ماهو علمي بالفني، يطول الحديث فيه.
أما بخصوص غناء الفقيرات، دائما ما كنت أتحدث عنه، فهو غناء نسائي أدته جداتنا بمنطقة أبي الجعد، وهو مرتبط بالزاوية القديرية، التي أنتمي إليها. أن أعرف الكثير عن هذا الغناء، لكن للأسف من الصعب جدا أن أرجع إليه وأطوره، وذلك لعدة اعتبارات، من أبرزها موت جداتنا وماتت معهن العديد من أسرار هذا الغناء، وهذا يعيب علينا، عدم الوقوف على تراثنا الغني، وتوريثه للأجيال اللاحقة.
ماذا ينقص الأغنية الأصيلة الطربية للوصول إلى جمهور واسع في ظل هيمنة الأغنية التجارية؟
الأغنية الطربية والأعمال الجيدة موجودة، لكننا مظلومين في الوطن المغاربي، لأن فننا غير معروف في المشرق العربي، بسبب اشتغال الشركات الإنتاجية الكبرى على فن تجاري هابط.
ما نحتاجه اليوم هو استراتيجية للتسويق، ويستحيل ان نشتغل في ظروف يغيب عنها الإنتاج، بالإضافة إلى الصعوبات التي تلي الإنتاج في حالة وجوده، لأن التسويق الأغنية الطربية يجب أن ينهي مع فكرة الموجة، فعقلية الأغنية المرغوبة هي تشبه الفطريات أو النباتات غير المرغوب فيها التي تحل محل النباتات النافعة التي تنبت وتحيى كلما سقيتها.
نحتاج للاحتضان من أجل أن تزيد مثل هذه الأغنية إلى الأمام، وخطة استراتيجية، والتواصل الجيد مع الإعلام.
اليوم لا يجب أن نعاتب الشباب على الفن التجاري المقدم، بل يجب أن نعاتب الجهات المسؤولة، عن التكوين، وعن عدد المعاهد الفنية الثقافية الكبرى..
نحن نريد أغنية طربية تجارية راقية تصل لجميع الناس، وهنا استحضر فيروز التي استطاعت أغانيها ان تصل لجميع الفئات بالمجتمع العربية.
لهذا أؤكد على ضرورة التفكير في سياسة واضحة شاملة للإقلاع بهذا القطاع الذي يعيش الهشاشة على جميع المستويات، فلدينا أصوات رائعة، لكنها للأسف تضيع.