رأي رياضي

التطبيع مع “ميسي الخارق” يسحب منه صفة الاستحقاق

معاذ أحوفير

رأي رياضي

تابع ملايين المحبين لكرة القدم عبر العالم حفل الكرة الذهبية، واختلفت الانطباعات بعد إعلان ميسي متوجا للمرة السابعة في تاريخه، ورأى الكثيرون في ذلك إجحافا وظلما في حق روبرت ليفاندوفسكي، بل وعلقوا على عام ميسي بأوصاف تنقيص وتبخيس غريبة.

في النصف الثاني من موسم 2020/2021، سجل ليونيل 23 هدفا في الدوري مقابل 24 لروبرت ليفاندوفسكي، وتفوق ميسي في التمريرات الحاسمة ب8 مقابل 3، وفي نهاية الموسم حمل ليفاندوفسكي لقب البوندسليغا ورفع ميسي كأس الملك، وتوج اللاعبان بالحذاء الذهبي المحلي.

انطلقت المسابقات القارية في يونيو، وواجهت بولندا كلا من إسبانيا والسويد وسلوفاكيا في مجموعته باليورو، وخرج رفاق ليفا رغم مجهوداته الفردية وتسجيله ل3 أهداف، غير أن منتخب بلاده خسر مبارتين وتعادل في واحدة، وفشل في حجز أحد المقاعد الستة عشر في الدور الثاني.

أما في أمريكا اللاتينية، ومع فوارق واضحة من حيث جودة الزملاء، توج ميسي مع الأرجنتين بمسابقة كوبا أمريكا، بعد التعادل مع تشيلي في الافتتاح، والفوز على أوروغواي وباراغواي وبوليفيا والإكوادور وكولومبيا، ثم البرازيل في النهائي، مسجلين 12 هدفا سجل منها ميسي 6 وصنع 5، كما حصد جائزة أفضل لاعب.

عندها صرح ليفاندوفسكي بأن الفوز بمسابقة دولية يجعل ميسي مرشحا رئيسيا للفوز بالكرة الذهبية، خصوصا أن التأثير الفردي كان حاضرا بقوة، إضافة إلى التفوق النسبي في النصف الأول من السنة.

استعان جزء من جمهور كرة القدم بسلاح جورجينيو لإسقاط استحقاق ميسي آنذاك، غير أن اللاعب الإيطالي لم يكن على قائمة الأكثر تأثيرا داخل منتخبه، على الأقل لم يتفوق على قيمة دوناروما وكييزا ومدى الجودة التي منحوها للأتزوري، ناهيك عن تواجد إسم ماركو فيراتي إلى جانب جورجي في كسر هجمات الخصوم، كما هو الحال مع نغولو كانتي في تشيلسي.

تعود بنا الذاكرة هنا إلى تفوق ميسي الفردي على جماعية إنييستا وتشافي، والتي اعتبرت في كثير من الأحيان ثنائية مظلومة من الجوائز الفردية، شأنها شأن نسخة ريبيري ومساهمته في ثلاثية البايرن سنة 2013، وخماسية شنايدر مع إنتر إضافة لوصافة المونديال مع هولندا، غير أن الرصيد الفردي لرونالدو وميسي في كل هذه السنوات كان “خارقا” من حيث الغزارة التهديفية، وكذا النصيب المهم من الألقاب الجماعية.

ويمكن اعتبار ما صنعه مودريتش في مونديال 2018 “استثنائيا”، فلم يكن ظلما للكرواتي لو خسر الكرة الذهبية، في سنة ساهم فيها ميسي ب77 هدفا في 54 مباراة، ورونالدو ب52 هدفا في 53 مباراة، ناهيك عن فوز غريزمان بجائزة هداف المونديال وظفره باللقب، وتسيد أتلتيكو مدريد لليوروباليغ والسوبر الأوروبي، إلا أن وصف “عدم الاستحقاق” لا ينطبق على مودريتش على كل حال.

بالنظر للمهمات الكثيرة التي تتشكل بها الهجمة التي تؤدي إلى الهدف، صنع ميسي ما يتجاوز مجموع الفرص المصنوعة من طرف بنزيما وليفاندوفسكي، وتلقى نصف الفرص المحققة من زملائه مقارنة بنجم البايرن، وتقدم على منافسيه في المراوغات الناجحة بمقدار ضعف مجموعهما، كما استرجع كرات أكثر ومنح تمريرات صحيحة تتخطى كذلك مجموعهما.

ما ذكر أعلاه من إحصائيات تمجد تفوق ميسي، لكنها لا تضع أي لومة على ليفاندوفسكي وبنزيما نظرا لاختلاف المراكز في التشكيل، غير أنها تبرهن على ضعف تقدير لـ “الفضائي” الذي يتطفل على قوائم الهدافين فوق كل هذا، ليجد نفسه في رتبة تبخيس لأه يسجل أقل من رأس الحربة، أو ربما لعدم قيامه بأي تصد، لا غرابة فهو ينفوق كذلك في التدخلات الناجحة ومعدلات الضغط على الخصوم، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق العمر.

هكذا تشكلت لدى الكثيرين أن كل لاعبي الأرض مظلومون بوجود ميسي ورونالدو في عصرهما، فبات لدى المتابعين سردية جاهزة لتبخيس الإبهار الذي يصنعه اللاعبان، فصار ليفاندوفسكي روبوتا تهديفيا بعد تسجيله لعدد أهداف أقل ب30 هدف من رقم ميسي الصامد منذ 2012، وسعى البعض لفرض رقم المساهمات التهديفية كمعيار أوحد للفائز، رغم أن ميسي تصدر هذا المؤشر سنوات 2009 و2010 و2011 و2012 و2013 و2015 و2017 و2018 و2019، أي ما مجموعه 9 سنوات حصل فيها ميسي على 5 كرات، وحرم سواريز من جائزة 2016.

ميسي سنة 2021 لم يكن خارقا، لكنه أثبت أن وصف سنة ليفا بالخارقة هو روتين سنوي للأرجنتيني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البولندي استحق بفارق شاسع عن البقية الحصول على نسخة 2020، لكن مع التأكيد على عدم مشروعية الاستعانة بالنسخة الموالية لمكافأة ليفا ومعاقبة ميسي على وباء -لم يتسبب في نشره-.

ورغم الموسم الصفري لريال مدريد وليفربول، تمسك متابعون بأن شتنبر وأكتوبر كافيان لمنح كريم بنزيما أو محمد صلاح جائزة الكرة الذهبية، مع التنويه بتراجع أداء ليونيل ميسي ومساهمته في 11 هدفا فقط خلال الموسم الحالي، منذ مغادرته لبرشلونة، ومحافظته على فارق هدف وحيد مع بنزيما في مجموع الأهداف في الدوري المحلي، ومساهمة كل منهما في 5 أهداف في عصبة الأبطال، إلى حدود يوم إغلاق التصويت.

كما يمكن اعتبار التتويج بدوري الأمم الأوروبية حاسما في تمركز كريم بنزيما في مقعد متقدم على محمد صلاح، على أمل مواصلة اللاعبين على هذا المنوال لتحسين حظوظ الظفر بجائزة الكرة الذهبية للعام المقبل، والتي قد يستفيد فيها “المفخرة العربية” من كأس أمم إفريقيا لضمان التواجد في مقدمة المرشحين.

بعيدا عن مدى اقتناع الجمهور العالمي بقيمة الجوائز الفردية، وطريقة اختيار الفائزين، ومدى  رجاحة الحكم على الوزن التاريخي للاعبين بعدد الكرات الذهبية الموجودة في خزائنهم، يتناسى متابعون بأن الكرة الذهبية يحسمها 180 صحفيا، متأثرين بميولات مختلفة، مع استحالة اطلاعهم على تفاصيل 12 شهرا من التباري، وبكم مهم من العواطف تجاه ناد معين أو لاعب، غير أنهم ومع تغير العناصر حافظوا على قسط إجماع عالمي تخطى حواجز العاطفة في مجمل قراراته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى